وإن خير عيش يناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بما زرعوه فيها, وفيها مساجد أنبياء الله, ومهبط وحيه, وبيوت عبادته, ومصلى ملائكته, ومتجر أوليائه, وفيها اكتسبوا رحمة الله, وربحوا فيها العافية, وفيها قرة العيون، وسرور القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح بذكر الله ومعرفته، وعبادته ومحبته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والأنس به، ولذة مناجاته، والإقبال عليه, وفيها كلام الله ووحيه وهداه | غير أنّ كلّ امرئ يرى الكمال في شيء ما حسب حاله ومقامه، فيتوجّه قلبه إليه |
---|---|
فأهل الدنيا توهّموا أن ما تصبو إليه فطرتهم من كمال موجود في هذه الدنيا، فانكبّوا لتحصيلها وتعميرها | ولكن لمّا كان التوجّه الفطريّ والعشق الذّاتيّ قد تعلّقا بالكمال المطلق، كان ما عدا ذلك من التعلّقات عرضياً ومن باب الخطأ في التطبيق |
وإن كل خطيئة في العالم أصلها حب الدنيا، فجميع الأمم المكذبة للرسل والأنبياء إنما حملهم على كفرهم، وتسبب في هلاكهم حب الدنيا, فإن الرسل لما دعوهم إلى الإيمان، ونهوهم عن الشرك والمعاصي التي كانوا يكسبون بها الدنيا، حملهم حبّها على مخالفتهم وتكذيبهم.
8ولعلّ خطيئة آدم أبي البشر نجمت عن هذا التوجّه القهريّ نحو تدبير الملك والحاجة الاضطرارية إلى القمح وسائر الأمور الطبيعية، وهذه تُعتبر خطيئة بالنسبة إلى أولياء الله المنجذبين إليه | |
---|---|
الدنيا المذمومة الدنيا التي ذمّها وحثت على تركها، تشمل جميع ما يتنعم به الإنسان ويسعى لتحصيله ويعدّه لنفسه من أموال وأولاد، إذا كانت من أو مقدمة للحرام | وغاية ذي الرياسة أن يكون كفرعون الذي أغرقه الله في اليم انتقاماً منه |
فصاحب الشهوة كلّما ازدادت أمامه المشتهيات، ازداد تعلّق قلبه بمشتهيات أخرى ليست في متناول يده، واشتدّت نار شوقه إليها.
27