قال: الباب الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة الثلاثة مقولة بالتشكيك، وقدم في الترجمة الإيجاز تنبيها على أنه يناسبه التقديم في الكلام، وأردفه الإطناب لكونه مقابلا له، ثم لما كان للمساواة ما يقتضي تقديمها، وهو كونها الأصل المقيس عليه قدمها في المترجم له تنبيها عليه تأمل | |
---|---|
وقوله تعالى : { وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَنِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الاُْمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً 42 اسْتِكْبَاراً فِي الاْرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّىء وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الاَْوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلا} إستكبارهم ومكرهم سبب شقائهم : تواصل هذه الآيات الحديث عن المشركين ومصيرهم في الدنيا والآخرة | إلخ، ثم إنه يظهر من صنيعه أن قول المصنف لشوق إلى آخر البيت نكتة واحدة وأن أوفى |
وقوله : {بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا} إضراب عما تقدم من الاحتجاج بأن الذي حملهم على الشرك ليس هو حجة تحملهم عليه ويعتمدون عليها بل غرور بعضهم بعضا بوعد الشفاعة والزلفى فأسلافهم يغرون أخلافهم ورؤساؤهم وأئمتهم يغرون مرءوسيهم وتابعيهم ويعدونهم شفاعة الشركاء عند الله سبحانه ولا حقيقة لها.
6وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» | في قصة أبرهة وأصحاب الفيل لم يكن السبب الظاهر للحملة العسكرية طلب أبرهة تحويل العرب من الكعبة إلى القليس؛ بل كان السبب هو الحادثة المشهورة التي ذكرت في بعض كتب التاريخ من أن رجلا كنانيا قعد في القليس أي تغوط فيها ثم لطخ جدرانها؛ فأغضب هذا الفعل أبرهة وأقسم أن يغزو مكة ويهدم الكعبة انتقام من ذلك الرجل |
---|---|
ويمكن تقريب المعنى بقولنا : كاد الكائد وأوشك أن يقع في الخطيئة عامداً ولم يقع فيها فاستفز فعله المكاد فوقع في الخطيئة ، وعند العامة يسمونها المكايدة وهي الاستفزاز بعمل يهيج المفضي لارتكاب الخطأ فيرتكبه مدفوعا بما رآه فينجح الكيد عندئذٍ ويقع اللوم حينها على المكاد له وليس على الكائد | اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا فاطر:43 فهي سنة إلهية ثابتة أن المكر السيئ يحيق بالماكرين دوما المكر الذي تزول منه الجبال : يقول الحق : وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ إبراهيم:46 الجبال من مخلوقات الله العظيمة التي ذكرت وظيفتها الجليلة في كتاب الله كثيرا والجبال من عظم خلقتها فإنها لا تلقي بالا لمن ارتقى سفوحها من خلق الله ، فلا تأبه لحافر يحفر او راعي يرعى فالجبال آمنة من كل خلق سوى الله ولا تأبه بهم ولا تتوقع منهم الشر ولا السوء ولا تتحسب وتحذر من البشر فيعبر الله بشدة وسوء وشراسة المكر الذي يصدر من الظالمين تفجأ الجبال فتزيلها وهي التي لم تحتسب منهم أو تتوقع السوء من قبلهم فانظر كيف هي فجأة الزوال التي تشعر بها الجبال فلا شك أنها مفاجأة صاعقة عظيمة ومع ذلك فلا يخفى على الله ذلك فيجري سننه عليهم |
ومنها التكرير نحو كلا { سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} كرر لتأكيد الإنذار والردع وأتي بثم للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول ومنها الاعتراض وهو أن يؤتى بجملة فأكثر بين شيئين متلازمين نحو الله تعالى فعال لما يريد.
3