وروي من حديث عبادة بن الصامت وأبي هريرة رضي الله عنهما | أيها المسلمون: نسمع كثيرا جملة وتؤمن " بالقدر خيره وشره" وهي نص من حديث جبريل في البخاري؛ فما معنى هذه العبارة تحديدا؟ وكيف نفهمها فهماً سليماً دون الطعن بالقدر؟ يقول العلماء: إن وصف القدر بالخير الأمر فيه ظاهر، وأما وصف القدر بالشرّ فالمراد به شرّ المقدور والمفعول لا شرّ القدر الذي هو فعل الله؛ فإن فعل الله -عز وجل- ليس فيه شرّ، كل أفعاله خير وحكمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح في سنن أبي داود-: " والشّرّ ليس إليك"، وهذا المفعول الذي هو شر قد يكون شراً في نفسه لكنه خير من جهة أخرى، من هنا إياك ثم إياك -أيها المؤمن- أنْ تتهم أقدار الله التي هي أفعاله بأنها شرّ لا حكمة فيها |
---|---|
مرتبة الكتابة وهنا يقصد بمرتبة الكتابة، ان الله تبارك وتعالى قد كتب علمه منذ قديم الازل، وذلك قبل ان يخلق الله بخمسين ألف سنة، ولكن ذلك أيضا لا يعني اجبار اعبد على شيء | والشاهد قوله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ؛ فهنا الكفار لما وقفوا على النار طلبوا العودة للدنيا، فأبلغنا الله بعلمه بهم بأنهم حتى لو أرجعتهم للدنيا فسوف يعودون إلى كفرهم، فهنا الله يعلم مَا لَمْ يَكُنْ وهو إرجاعهم للدنيا لَوْ كَانَ أي حصل إرجاعهم كَيْفَ يَكُونُ وهو عودتهم للكفر |
مرتبة المشيئة ان مرتبة المشيئة هي بان كل ما شاء الله به كان وما لم يشأ لم يكن، وهنا يقصد بها تلك المشيئة الكونية وليست المشيئة الشرعية، فالمراد من تلك المرتبة، ان كل ما يحدث مع خلق الله فهو بمشيئة الله، وانه ليس هناك أي امر يعجزه، فلو لم يرد السارق ان يسرق ما كان سرق، ولكنه شاء ذلك لحكمة ما لا يعلمها أحد غيره، فهو الله أيضا الذي شاء بان يخرج ابليس عن طاعته، ويظل يضل الخلق حتى يختبرهم، وبعدها يعاقب بذنبه، ولذلك فان كل ما يحدث للخلق هو مشيئة الخالق.
7الثانية:الكتابة: أي أن الله كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ الثالثة : المشيئة: أي أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ليس في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد | وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ هذا عموم بعد خصوص إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها، وبعض هذا المذكور، يبهر عقول العقلاء، ويذهل أفئدة النبلاء، فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها" |
---|---|
والقدر عندهم قدرة الله تعالى وعلمه ومشيئته وخلقه؛ فلا يتحرك ذرة فما فوقها إلا بمشيئته وعلمه وقدرته، ويؤمنون بأن من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأنه هو الذي يجعل المسلم مسلما والكافر كافرا والمصلي مصليا والمتحرك متحركا، وهو الذي يسير عبده في البر والبحر وهو المسير والعبد السائر وهو الهادي والعبد المهتدي، ويثبتون مع ذلك قدرة العبد وإرادته واختياره وفعله حقيقة لا مجازا وهم متفقون على أن الفعل غير المفعول، فحركاتهم واعتقاداتهم أفعال لهم حقيقة وهي مفعولة لله سبحانه مخلوقة له حقيقة، والذي قام بالرب -عز وجل- علمه وقدرته ومشيئته وتكوينه، والذي قام بهم هو فعلهم وكسبهم وحركاتهم وسكناتهم؛ فهم المسلمون المصلون القائمون القاعدون حقيقة، وهو سبحانه هو المقدر لهم على ذلك القادر عليه الذي شاءه منهم وخلقه لهم ومشيئته وفعله بعد مشيئته؛ فما يشاؤون إلا أن يشاء الله وما يفعلون إلا أن يشاء الله" | وكثير منهم يأخذ مسائله على وجه التقليد، غير مقتنع بوجه يجمع فيه بين الإيمان بشمول القضاء والقدر، مع أن العبد هو الفاعل حقيقة لفعله وهو الممدوح أو الملوم على كسبه |
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لإنْكَارِهِمْ الْقَدَرَ"، نعم، عافانا الله من مثل هذا الضلال في الاعتقاد، والانحراف في فهم القدر، والإلحاد في أسماء الله وصفاته، فقد بلغ بهم الأمر أن ينفوا علم الله بالأحداث قبل وقوعها.