ست الشام كانت رعاية الفقراء ونصرة الضعفاء الهم الأكبر لفاطمة خاتون على مدار سنوات حياتها، فجعلت بيتها الكبير مقصدًا للاجئين وملاذًا للخائفين من ملاحقات الإفرنج، وفي هذا الشأن ذكرها المؤرخ الإسلامي ابن كثير قائلًا: "كانتْ مِن أكثرِ النساءِ صدقةً وإحسانًا إلى الفقراءِ والمَحاويجِ المُعْدَمينَ ، وتَعْمَلُ في كُلِّ سنةٍ في دارِها بِأُلوفٍ مِنَ الذَّهَبِ أَشْرِبَةً وأَدْوِيَةً وعَقاقيرَ وغَيْرَ ذلكَ فَيُفَرَّقُ على الناسِ" | |
---|---|
من هي ست الشام ولماذا لقبت بهذا الاسم ؟ إنها زمرد خاتون بنت نجم الدين أبي الشكر أيوب بن شاذي بن مروان، وخاتون لقب لكل امرأة محترمة وهذه الكلمة ما تزال متداولة عند العرب والأكراد المسلمين في العائلات العريقة في البلاد العربية خاصة العراق | وقد أوقفت الست زمردة خاتون على المدرسة أوقافاً ضخمة من أموالها |
اجواء الجهاد عاصرت السيدة زمردة خاتون أجواء الجهاد ضد الصليبيين الذي كان للأمراء الزنكيين الدور الأكبر فيه فتجاوبت مع هذه الأجواء وبينما كان الأمراء من بني أيوب يحملون السلاح دفاعاً عن حياض الإسلام كانت السيدة زمردة تقوم بدور اجتماعي وتعليمي لا يقل أهمية عن الأدوار الجهادية | لقد كانت سيدة الداعيات في عصرها كما كان صلاح الدين من خيرة القادة المسلمين |
---|---|
وصفها المؤرخ الذهبي بأنها "سيدة الملكات في عصرها" فكان بيتها مقصدًا لكل ملهوف وقبلةً لكل حائر ومنارةً لكل تائه، فاستحقت عن جدارة أن تكون سيدة السيدات وأميرة الأميرات وسلطانة زمانها ودرة تاج النساء في وقتها، فمن فاطمة خاتون الذي ذاع صيتها منذ بدايات القرن الثالث عشر وحتى اليوم؟ بيت السلاطين والأمراء ولدت فاطمة بدمشق وترعرت في كنف والدها الذي كان يلقب بـ"الملك الأفضل" كونه كان أحد كبار رجالات السلطان نور الدين محمد زنكي، فكان من أفضل المقربين منه وأكثرهم ثقة لديه، كذلك عمها أسد الدين شيركوه، واحد من كبار القادة لدى السلطان | حتى عُرفت بين معاصريها بمحبتها للخير وإيثارها لأهله |
حادثة الكرك: مع قافلة كبيرة سافرت ست الشام برفقة ابنها محمد بن لاجين الملقب بحسام الدين لقضاء فريضة الحج حتى إذا وصلت إلى منطقة قريبة من الكرك تعرض لها أرناط — صاحب الكرك الصليبي- وحين بلغ صلاح الدين ما تعرضت له أخته خاتون وولدها والقافلة أقسم أن يقتل أرناط بيده.
وزادت على ذلك أن تعلمت صناعة الدواء والطب، فأنشأت مصنعًا للأدوية، وكانت الأولى في عصرها التي تدشن هذا المشروع الذي ظل حكرًا على الرجال، بل كانت تورد الأدوية لجيش أخيها صلاح الدين، وجعلت من هذا المصنع قبلة للنساء الراغبات في العمل، فانضم إليه مئة امرأة لكن بشروط، الأول حفظ كتاب الله، والثاني أن تكون المرأة ماهرة في ركوب الخيل، وحين سئلت عن هذا الشرط الأخير أجابت: "ما أراهن إلا مجاهدات يحتجن إلى ركوب ظهر الخيل ويكن في قلب الجيش الإسلامي" | درست معه علوم الحديث والشرع والفقه، فبرعت فيهم بشكل كبير، حتى انتقلت من التلقي إلى الإلقاء، فدرستها لنساء دمشق حتى صارت أحد أكبر علماء المدينة في المذهب الشافعي، في وقت كانت دمشق فيه قلعة لعلماء المذاهب المختلفة، إلا أن "عصمة الدين" استطاعت أن تثبت حضورها بقوة |
---|---|
نشأت في بيت يبلغ أصله وشرفه وعزته من الوضوح ما يغنيه عن التوضيح، فكانت مدرسة تخرج فيها عشرات العلماء والفقهاء، ولعل صلاح الدين الذي تربى على يديها خير نموذج على ما كانت تتمتع به من مكانة علمية رفيعة | لقب أبوها بالملك الأفضل حيث كان يعمل مع أخيه في خدمة بمرتبة وزراء |
وقد عيّنت فيها خيرة علماء عصرها، واشترطت عليهم ألا يدرسوا بمدارس أخرى لضمان تفرغهم وتلبية حاجة الطلبة من الاهتمام الكافي.
17