نعم، لقد روى عنها الأجلاء الثقاة كعبد الله بن سنان، ويونس ين يعقوب، وأحمد بن رزق الغمشاني، والحسين الأحمسي وغيرهم، وقد كانت لها صحبة مع الإمام الصادق عليه السلام ، ومن مجموع رواياتها يُطمئن أنها أهل ومحل للنقل عنها، مضافاً إلى أنها كانت من المعاريف الذين لم يُطعن فيهم، وهذا أمارة على اعتبارها وإمكان الاعتماد عليها، ومضافاً إلى ما تقدم من رواية بن أبي عمير بواسطة الحسين الأحمسي، وبذلك يكون سند الرواية معتبراً، ويصح الاعتماد عليه | فإنّه يمكن التعرف على سيرتهم من خلال مطالعة ما أُلّف وما نُقل عنهم، إلّا أنّ الحضور هو المحفز الأقوى لمتابعة القضية |
---|---|
الثاني: أخص من المعنى اللغوي بعض الشيء، وذلك من جهة الموضوع حيث تطلق الزيارة والزائر على مَن قصد مكاناً خاصاً، وهو زيارة الأنبياء والأئمة والأولياء وأصحاب المقامات | وفيه: ان الرواية تنص على أنّه يطلب الثبات على عقيدة الولاء، وهذا أمر في ذلك الزمان خلاف التقية وخلاف المصلحة الشخصية، فلو كان عنده غاية أُخرى لكان عليه إبراز خلاف هذه العقيدة، لا أنّه يطلب الدعاء على الثبات عليها |
بعد أن ثبت أصل الوجوب من خلال الروايات ـ بقسميها ـ يصل بنا البحث إلى حدود الوجوب الذي تُثبته تلك الروايات؛ حيث إنّها قد تكون مختلفة في ذلك للوهلة الأُولى؛ لأنّ بعض تلك الروايات نصَّ على أنّ الزيارة واجبة في كل سنة مرّة، وبعضها نصَّ على أنّها في كل أربع سنوات مرَّة، وبعضها أنّها واجبة على نحو التكرار، وبعضها مطلقة.
ورواه أيضاً في الأمالي، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن علي بن فضال | |
---|---|
وقال أيضاً: احتمل بعضهم أن يكون عنبسة بن مصعب واقفياً أيضاً، اغتراراً بما تقدَّم عن الكشي، عن حمدويه أنّه ناووسي واقفي على أبي عبد الله عليه السلام ، ولكنّه باطل جزماً، فإنّ القول بالوقف ينافي الناووسية، كما هو ظاهر، وعبارة الكشي محرَّفة جزماً، والصحيح أنّه ناووسي واقف على أبي عبد الله عليه السلام | والزَّوَرُ: عِوَجُ الزَّوْرِ، وقيل: هو إِشراف أَحد جانبيه على الآخر، زَوِرَ زَورَاً، فهو أَزْوَرُ |
وقال أيضاً: ثمّ اعلم أنّ ظاهر أكثر أخبار هذا الباب ـ وكثيراً من أخبار الأبواب الآتية ـ وجوب زيارته صلوات الله عليه، بل كونها من أعظم الفرايض وآكدها، ولا يبعد القول بوجوبها في العمر مرّة مع القدرة، وإليه كان يميل الوالد العلامة نوَّر الله ضريحه، وسيأتي التفصيل في حدّها للقريب والبعيد، ولا يبعد القول به أيضاً، والله يعلم.
29النتيجة: إنّ السند الثاني للرواية يصحّ الاعتماد عليه أيضاً | إنّ للإيمان مراتب ودرجات وكلّ مرتبة دانية، تُعتبر ناقصة بالنسبة لما فوقها، ومن المعلوم فإنّ مَن يلتزم بالأُمور المستحبّة وخصوصاً المؤكَّدة منها، فإنّ مرتبته الإيمانية أعلى ممَّن لا يلتزم بذلك، فيكون المراد في هذه الفقرة من هذا القبيل؛ فنقصان الإيمان لا يلازم ترك الواجب |
---|---|
هذه الرواية صريحة في الوجوب، فبعد أن أمر الإمام الصادق عليه السلام أُمّ سعيد بالزيارة، علل ذلك بكون زيارة الحسين عليه السلام واجبة على الرجال والنساء، وهذا يكشف عن أهمية الزيارة، وأنها تفضل الكثير من الواجبات، وذلك لاختصاص بعض الواجبات بالرجال، وخصوصاً بعض العبادات العامة، وفي المقام يؤكد الإمام عليه السلام وجوب الزيارة على الرجال والنساء | وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام أخرجها السيّد ابن طاووس أيضاً، جاء في مقطع منها: «وليحرص مَن زار الحسين عليه السلام في شهر رمضان ألّا يفوته ليلة الجهني عنده، وهي ليلة ثلاث وعشرين، فإنّها الليلة المرجوّة» |
إن هذه الزيارة تعطي الناس ما لا يسع أعظم حاكم في الارض ان يعطيه، وهذا العطاء لا يقتصر بشفاء مرض عضال، او قضاء حاجة مستعصية، او حتى استشعار راحة النفس والقلب من التشفّع بالامام الحسين الى الله —تعالى- لغفران الذنوب والمعاصي والنجاة في الآخرة من النار، وإنما يمنحه الوعي والبصيرة النافذة لاتخاذ اصعب القرارات في الحياة ليكون فيما بعد مسؤولاً عن كلامه ومواقفه التي تنجيه يوم القيامة، كما يمكن ان ترديه اذا كان في الاتجاه المعاكس، ونحن نقرأ في زيارة الامام المروية عن الامام الصادق، عليه السلام: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة".